بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
خصوم الرسل في الماضي والحاضر
إنَّ
الحمدَ لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله مِن شرورِ أنفسنا ومِن
سيِّئات أعمالنا، مَن يَهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يضللْ فلا هاديَ
له، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحْدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا
عبدُه ورسولُه.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي
تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ
اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].
أمَّا بعدُ:
فإنَّ
خيرَ الحديث كتابُ الله - تعالى - وخير الهُدَى هُدَى محمَّد - صلَّى الله
عليه وسلَّم - وشرَّ الأمور مُحْدثاتُها، وكلَّ بدعة ضلالة.
منذُ
أنْ بدأ إرسالُ الرسل - عليهم الصلاة والسلام - انْقَسم الناسُ فريقينِ:
فريق متابِع لهم مطيع لهم؛ طلبًا لمرضاةِ الله، وخوفًا مِن عِقابه، وفريق
معاندٌ متربِّص بهم، وهذه السُّنة الكونيَّة قائمةٌ إلى قيامِ الساعة
لحِكَم يعلمها الله.
فخصومُ الرسل في الماضي ليس لدَيْهم رغبةٌ
صادِقة في البحْث عن الحقِّ، وهل ما أتى به الرُّسلُ - عليهم الصلاة
والسلام - حَقٌّ أم لا؛ فلِذا لا يُكلِّفون أنفسهم عَناءَ البحث مع الرسل -
عليهم الصلاة والسلام - والمناظرة للوصولِ للحقِّ؛ لأنَّ الحقَّ عندهم ما
أُشْرِبَتْ قلوبهم من شهواتِ وشُبهات، فتحقيقُ العبوديَّة لله شاقٌّ على
نفوسهم؛ ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ
وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ﴾
[النساء: 61].
وكذلك خصومُ الرسل في الحاضِر لا يُقابِلون الحُجَّة
بالحُجَّة طلبًا للحقِّ، إنما هي الأكاذيب التي يَسُوقونها، والمتشابه مِن
النصوص التي يُلَبِّسون به على مَن يُصغِي إليهم، وتغيير مجرى الحديث.
خصوم
الرُّسل في الماضي يظنُّون أنَّ دِين الرسل - عليهم الصلاة والسلام -
متعلِّقٌ بهم، فما يَدْعون إليه ويأمرون به يظنُّون أنَّه مرهونٌ بوجود
الرسل - عليهم الصلاة والسلام - فبمجرَّد وفاتهم ينتهي الأمر وتذهب دعوته؛ ﴿
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ
شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ [الكوثر: 1 - 3].
وكذلك خصومُ
الرُّسُل في الحاضر بمجرَّد أنْ يرَوْا ضَعْفًا في الحقِّ في مَكانٍ، أو
موت عالِم - طاروا بذلك فرَحًا، وظنُّوا أنَّ هذه نهايةُ الحقِّ وأتباعه،
يُصرِّحون بذلك في وسائلِ إعلامهم المختلِفة، وتناسوا أنَّ الحقَّ إنْ
ضَعُف ضعفًا مؤقَّتًا في مكان، فإنَّه يقْوَى في مكانٍ آخرَ، ولو لم يكن في
حِكمة المداولة إلاَّ ظهورُ ما تُكِنُّه صُدورُهم لكَفَى.
خصومُ
الرُّسل في حالِ قوَّتهم يَتعامَلون مع رُسلِ الله بغاية القَسْوة
الحِسيَّة والمعنويَّة، فلا هَوادةَ مع رُسل الله تقتيلاً وتشريدًا للرسل
وأتباعِهم، وامتِهانًا للنساء والأولاد؛ ﴿ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ
بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ
وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ﴾ [البقرة: 87]، ﴿ وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ
فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ
وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي
نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴾ [الأعراف: 127]، ﴿ قُتِلَ
أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا
قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا
نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ
الْحَمِيدِ ﴾ [البروج: 4 - 8].
• فخصومُ الرُّسل في الماضي
يَتعاوَنون للنَّيْل من دِين الله ومِن رُسله على اختلافِ مِللهم ونِحلهم،
كما حصَل في غَزوة الأحزاب؛ حيث اتَّفق أهلُ الكتاب والمنافقون ووثنيُّو
العرَب على الكيْد لهذا الدِّين، والعمل على استِئصاله، فخصومُ الرسل
طوائفُ مختلفةٌ في توجُّهاتهم؛ منهم مَن يَزعُم أنَّه يَدين بدِينٍ سماوي،
ومنهم الوَثَني، ومنهم الملحِد، لكنْ يجمعهم جميعًا هدفٌ واحدٌ هو العملُ
على إطْفاء نورِ الله الذي يأتِي للناس عن طريقِ الرُّسل - عليهم الصلاة
والسلام.
والمشهد يَتكرَّر في كُلِّ زمان، وفي زماننا إذا لم
يتمكَّنْ خصومُ الرُّسل من النَّيْل من هذا الدِّين بالسِّنان، أعْمَلوا
أقلامَهم وألسِنتَهم في تحالُفٍ من الداخل والخارج للنَّيْل من هذا الدِّين
ومِن ثوابته، هذه الحقيقةُ يُدرِكها مَن له أدْنَى متابعة لما يجري
داخليًّا وعالميًّا.
• خصومُ الرسل في الماضي يُقرِّبون كُلَّ مَن
أظهر عَداوتَه لله، يُقرِّبون مَن يَظنُّون أنَّه يستطيع أنْ يَنال من دِين
الله ومن رُسله ولا يكتَفُون بالدَّعْم المعنوي مِن مديح وإطراء، ورفْعٍ
للوَضِيع ومَنْحه ألقابًا لا يستحقُّها، بل يقومون بدَعْمِه دعمًا حسيًّا
بالمال وغيره؛ ﴿ وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا
لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ
لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ [الأعراف: 113 - 114].
• وهذا شأنُ خُصوم
الرُّسل في زَمانِنا، فيُقْصُون أهل الكلمة الصادِقة والرأي السديد،
يُقْصون مَن عُرِف عنهم حسنُ السِّيرة، وسَلامة الطويَّة، ويُقرِّبون كُلَّ
مَن أظهر عَداوتَه لدِين الله، وإنْ كان لا يملك القُدرةَ على التوجيه،
فوسائل إعلام خُصوم الرُّسل الأصل أنَّها حِكْرٌ على طائفة معيَّنة.
•
خُصومُ الرُّسل في الماضي يتشدَّقون بالوطنيَّة، وأنَّهم حَرِيصون على
دُنيا الناس وعلى دِينهم، فيَزْعُمون أنَّ ما يقومون به تُجاهَ الرسل -
عليهم الصلاة والسلام - إنَّما هو بدافعٍ وطني؛ حِفاظًا على الوطن وعلى
مُكتَسباته؛ ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ
رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي
الْأَرْضِ الْفَسَادَ ﴾ [غافر: 26].
• وخُصومُ الرُّسل في الحاضِر
يُدَندِنون حولَ الوطنيَّة وهُم أبعدُ الناس عنها، فعجبًا لهذا الزعم ممَّن
يكتب التقاريرَ عن بلده ويتعاوَن مع أعدائِها!
إذا قام عالِمٌ
يُبيِّن حُكمًا شرعيًّا لا يُوافِق أهواءَهم، رَمَوْه بأنَّه مِن دُعاة
الفِتنة، وأنَّ هذا الأمرَ يُفرِّق ولا يُجمِّع، والحق أنَّهم هم دُعاةُ
الفِتنة؛ فهم يَفتنون الناس عن دِينهم، يَفتنون الناس عن العِفَّة والحجاب،
يَفتنون الناسَ عن الحَسَن من عاداتهم وتَقالِيدهم، يَفتِنون الناسَ عن
اعتزازهم بدِينهم، يريدونهم أتْباعًا للغَرْب؛ ﴿ لَقَدِ ابْتَغَوُا
الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ
الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾ [التوبة: 48].
•
خصومُ الرسل يتَّصفون بالسخرية مِن رُسل الله - عليهم الصلاة والسلام -
وأتباعِهم، يَلْمِزونهم ويَصِفونهم بالضلال والجهْل وعدم الفَهْم؛ ﴿ إِنَّ
الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ *
وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى
أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ
هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِين ﴾
[المطففين: 29 - 33].
• وخصومُ الرُّسل في زَماننا سَخَّروا وسائلَ
إعلامهم للتهكُّم بدِين الله وبأتْباع الرسل - عليهم الصلاة والسلام -
فيَنعتونهم بأنَّهم ظلاميُّون رجعيُّون مُتشدِّدون... إلى غير ذلك مِن
الألقاب المنفِّرة، فالنور في مِيزانهم ظلامٌ، والظلام نورٌ عندهم، فهم
المتنوِّرون، ولكن ممَّن يقتبسون نورَهم؟ قطعًا ليس من الوحيَيْن.
خصومُ
الرسل في الماضي يُشكِّكون في النصوص الشرعيَّة، ويَنفُون عنها صِفةَ
الوحي، فيتَّهمون الرسولَ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأنَّه شاعرٌ تارةً،
وكاهن تارةً، ومجنون تارةً، وأنَّ ما يأتي به من كلامِ البَشَر ولا علاقة
له بالله؛ ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ
بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ
عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ﴾ [النحل: 103].
كل هذا وغيره لينفوا عن النصوصِ
الشرعيَّةِ العصمةَ؛ تمهيدًا لردِّها، وأنَّهم لا يَلزمهم الإذعانُ لها،
وهكذا خصومُ الرسل في زمانِنا يُشكِّكون في ثُبوتِ نصوص السُّنَّة تارةً،
وفي حمَلَتِها تارة، وتارةً يَدْعُون لقراءة النصوص الشرعيَّة قراءةً
جديدةً؛ لتُوافقَ أهواءَهم، وليعزلوا هذه النصوصَ عن مرادِ الله ومرادِ
رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ويَتَّهمون حمَلَةَ الشرع أتْباعَ
السَّلف بأنَّهم نصِّيُّون حرفيُّون، عُبَّادٌ للنصوص يتترَّسون بالنصوص،
وتلك شَكاةٌ ظاهرٌ عنك عارُها.
معاشر الإخوة:
ليُعلَم أنَّ
خُصومَ الرُّسل في الماضي ليس بينهم وبيْن الرُّسل عَداواتٌ شخصيَّة؛
فالرسول منهم، فَهُم أقاربُه وبنو عشيرته، لكنَّهم خاصَمُوا الرسلَ - عليهم
الصلاة والسلام - لِمَا يحملونه من دِين الله الذي لا يُوافِق أهواءَهم،
الذي يمنعهم مِن شَهواتهم المحرَّمة؛ فهم في البداية يأمُرون رسولَهم
بالسُّكوتِ وعدم الكلام، فحينما لا يَتحقَّق هذا المطلبُ يَطلُبون منه أن
يَتكلَّم بما تهوَى أنفسُهم ويُحرِّف دِينَ الله؛ ﴿ وَإِنْ كَادُوا
لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا
غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً ﴾ [الإسراء: 73].
فحينما
لم يستجبْ لهم الرسولُ يأمرونه بالمداهَنة؛ بأنْ يَسكُتَ عن بعضِ باطلهم،
فيُعاملونه بالمِثْل، فيغضُّون الطَّرْفَ عنه وعن أتباعِه؛ ﴿ وَدُّوا لَوْ
تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ﴾ [القلم: 9]، فلو فُرِض أنَّ الرسول ترَك الإنكارَ
عليهم، لتغيَّر الأمر ولانْقَلبتْ هذه العداوةُ إلى محبَّة، وهذا شأنُ
خُصومِ الرُّسل في زَماننا، فمَن يُنكِر عليهم باطلَهم يتمالؤون عليه،
ويُوصي بعضُهم بعضًا للنَّيْل منه، وتنفير الناس منه، ومَن يُجارِيهم على
باطلِهم ويُسوِّغه لهم يَكيلون له المدحَ والثَّناء، فمَواقِفُهم ممَّن
ينتَسِب للشريعةِ غيرُ ثابتة، فلا عجب أنْ يشنُّوا الغارةَ في وقتٍ على
شخصٍ، ثم ينقَلِب بعدَ فترةٍ هذا الذمُّ إلى مدحٍ وثناء أو العكس.
الأصل
في منهجِ الكِتاب والسُّنة عدمُ التعرُّض لذِكْر أسماء خُصوم الرسل؛ فلذا
مَن ذُكِر مِن خُصوم الرسل قليلٌ مقارنةً بعددِهم عبرَ القُرون الماضية،
وإنما منهجُ الوحيَيْن هو ذِكْر صفات خُصوم الرسل، وهذا من عظَمةِ الوحيين،
فحينما يمرُّ بك قصص رسولٍ مِن الرُّسل - عليهم الصلاة والسلام - مع
خُصومِه، فكأنَّ المشهد حاضرٌ بين عينَيْك؛ لأنَّك تُعاصِر المشهد نفسه مع
اختلافِ الشخصيَّات والاهتِمامات.
﴿ وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ
وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الأنعام: 55]، قال ابنُ كثير في
"تفسيره" (3/263): "﴿ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ﴾؛ أي:
ولتظهر طريقُ المجرمين المخالِفين للرسل"؛ ا.هـ.
إخوتي:
على
الرغمِ ممَّا يبذله خُصومُ الرُّسل مِن وَسائلِ الصدِّ عن دِين الله، ومِن
المكر الكُبَّار، ومع القوَّة الماديَّة التي يملكونها - فقد حَفِظ الله
رسلَه - عليهم الصلاة والسلام - مِن كيدِهم ومكرِهم، وجعَل لهم العاقبةَ في
الدنيا والآخِرة، وحفِظ الله دِينَه، فهو باقٍ إلى قيام الساعة؛ ﴿ هُوَ
الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ
عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33]، وما
زال مكرُ خُصومِ الرسل على أتباع الرُّسلِ إلى زماننا، وما زال خصومُ
السَّلف الذين يُخاصِمون المتمسِّكين بالكتاب والسُّنة في عَداوتهم مِن
قُرون إلى زماننا
فالواجب علينا جميعًا أنْ نتَّقي الله بالقولِ
والعمل، ولا نتعدَّى حدودَه مع خصومِ الرسل؛ فنتَّقي الله عندَ حِوارهم
ومُناقشتِهم وبيان أخطائِهم، ونَصْبِر على أذاهم؛ نَصْبر على كذِبِهم
وتشنيعهم وتأليبهم، وسُخريتهم وتهكُّمهم.
يخاطب ربُّنا نبيَّه -
صلَّى الله عليه وسلَّم - بقوله - تعالى -: ﴿ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ
الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا
قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
[هود: 49].
فحِينما ذَكَر ربُّنا قِصَّةَ نوحٍ مع قومِه ذَكَر هذه
الآية؛ تنَبيهًا أنَّ هذه سُنَّة إلهيَّة، فأمَرَه بالصبر، ثم طمأَنَه
بِحُسْن العاقبة، وأنَّها لأهل التَّقْوى، فاطْمَئِنُّوا إخوتي،
واصْبِرُوا، ولا تُخيفنَّكم سَطوةُ الباطل.