السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
الحمد لله وحده والصلاه وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى اله وصحبه
قال الشيخ ربيع بن هادي عمير المدخلي – حفظه الله تعالى – :
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي- صلى الله عليه وسلم – قال :
« اجتنبوا السبع الموبقات.
قالوا : يا رسول الله وما هن ؟.
قال
: الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ؛ وأكل
الربا وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات
المؤمنات »
( رواه البخاري([1]) ومسلم([2]) وأبو داود([3]) والنسائي([4]) ).
راوي الحديث :
”
أبو هريرة الدوسي الصحابي الجليل حافظ الصحابة اختلف في اسمه فقيل: عبد
الرحمن بن صخر ، وقيل: ابن غنم ، وقيل غير ذلك، وذهب الأكثرون إلى الأول
مات سنة تسع وخمسين من الهجرة “
المفــردات :
الاجتناب : الابتعاد.
الموبقات : المهلكات.
الشرك
: “هو أن يجعل لله نداً يدعوه كما يدعو الله أو يخافه أو يرجوه أو يحبه
كما يحب الله أو يصرف له نوهاً من أنواع العبادة ، فهذا هو الشرك الذي لا
يبقى مع صاحبه من التوحيد شيء”
السحر: عزائم ورقى وعقد يؤثر في القلوب والأبدان ، فيمرض ويقتل ، ويفرق بين المرءِ وزوجه إذا أراد الله ذلك.
الربا
في اللغة : الزيادة مطلقاً يقال : ربا يربو ربواً إذا زاد وفي الشرع :
الزيادة على رأس المال من وجه خاص مُحَرَّمٍ ، والربا المعروف في الجاهلية
أن يقول الدائن لمدينه إذا حل الأجل إما أن تعطي وإما أن تربي.
الـيتيـم : من الإنسان الذي فقد أباه ، ومن الحيوان ما فقد أمه.
والتولي يوم الزحف : الفرار الهرب حال قتال العدو.
قذف المحصنـات : رمي العفيفات بالزنى.
الغـافـلات : اللاتي لم تخطر الفاحشة على بالهن لطهارة قلوبهن ، فهن ساهيات عن المنكر.
المعنى الإجمالي :
يحذر
الرسول – صلى الله عليه وسلم – أمته من الوقوع في الذنوب الموبقة – وهي :
المردية المهلكة – وكل واحدة من هذه السبع توقع صاحبها في الهلكة.
أولها :
وأعظمها
شراً وأكبرها خطراً هو الشرك بالله الذي لا يغفر أبداً ولا يقبل معه من
الصالحات شيء ، { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }
(النساء 48).
فمن ذبح أو حلق أو قصر أو نذر أو ركع أو سجد لغير الله أو
حلف بمخلوق يعظمه أو سأل حاجاته من الميت كأن يطلب منه الولد أو دعاهُ أو
ناداه أو استغاث أو استعان به في أمر لا يقدر عليه إلا الله ، فقد أشرك
وجعل لله نداً.
والشرك خفي وجلي : فمن الخفي أن تعمل رياء ، أو تترك
العمل لأجل الناس ، ومن الجلي ما يقع عند قبور الأنبياء والصالحين من جهلة
المسلمين وأشباه الجهلة من الطواف بالقبور ودعوة أصحابها في المهمات
والشدائد ، والعكوف عليها ، والتمسك بها لطلب البركات.
وثانيها :
السحر
: وفي السحر جمع بين الكفر والإضرار بالناس لما يتوهم العامة والجهلة من
قدرة الساحر على ما يريد واستطاعته أن يتصرف في ملك الله بغير إذنه { وما
هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله } (البقرة 102).
وقد اتفق العلماء
على حرمة تعلم السحر وتعليمه وتعاطيه وقالوا إن كان فيه قول أو فعل يقتضي
الكفر كان كفراً ، وقال مالك وأحمد وجماعة من الصحابة والتابعين تعاطي
السحر كفر يوجب القتل.
وقال آخرون يفسقه وأنه يحد بضرب عنقه ، ولا يحكم
عليه بالخروج عن الإسلام كما هو مذهب الشافعي إلا إذا قال أو فعل شيئاً من
هذا السحر يكفر به كمن يدعي القدرة على تغيير خلق الله أو مضاهاة خلقه أو
يزعم أنه يضر وينفع بسحره كما هو شأن السحرة في كل زمان ومكان.
وأمر أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – بقتل السحرة ([5]).
وقتلت أم المؤمنين حفصــة – رضي الله عنها – جاريةً لها ساحرة ([6]).
وقتل جندب بن عبد الله ساحراً كان يلعب عند الوليد بن عقبة بقطع رأس الرجل ثم يدعوه فيأتي حياً ([7]).
وثالثها :
قتل
النفس وإزهاق الروح البريئة وإراقة الدماء الطاهرة فتلك جريمة توقع الرعب
في نفوس الناس وتزلزل أمنهم وتفتك بالأمة وتقطع روابط الإخاء وتنشر الأحقاد
والعداوات بين الناس. فما أفظعها من جريمة وأخطرها ، وقال الله تعالى في
شأنها : { من قتل نفساً بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا
} .
ورابعها :
أكل الربا وهو استغلال للإنسانية وامتصاص لجهودها
وأكل لأموالها بالباطل دون أن يبذل المرابون أي جهد في تلك الأموال
المستباحة ، وفي التعامل بالربا محاربة لله ورسوله في الدنيا وهو من موجبات
النار ، وكيف لا يكون كذلك والمرابون أشد الناس قسوة وأبعد الناس عن
الرحمة بالبشر حيث ينتهزون فرصة إعسار المعسرين وشدة فقرهم وحاجتهم إلى
المال فيعطي المائة بمائة وعشرة مثلاً إلى أجل ، فإذا حل الأجل ولم يقم
المدين بأداء دينه ربما زاد في الربا وضاعفه عليه أضعافاً، فيلحق بالناس
وباقتصادهم من الأضرار والدمار ما لا يعلمه إلا الله. يحيق بآكل الربا
وموكله وكاتبه وشاهديه لعائن الله وغضبه – أعاذنا الله من ذلك -.
وخامس الموبقات :
أكل
مال اليتيم : فمن حق اليتامى على الناس أن يكفلوهم ويقوموا بتربيتهم
والعناية بشأنهم وينموا أموالهم ويساعدوهم حتى يبلغوا أشدهم ويدركوا رشدهم.
وقد
زجر الله في محكم كتابه عن أكل مال اليتيم وتوعد على ذلك أشد أنواع الوحيد
فقال:{ إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً
وسيصلون سعيراً } (النساء 10).
وزجر عن قربانه إلا بالتي هي أحسن ، ومن
التي هي أحسن فعل الأصلح له وتنمية ماله بالبيع والشراء والتصرف بما يعود
عليهم بالربح والنماء المباح.
وسادسها :
التولي يوم الزحف
والفرار من لقاء العدو فإن ذلك من الجبن وفيه إضعاف لشوكة المسلمين وخذلان
لهم وضياع الدين وتمكين الكافرين من دماء المسلمين ونسائهم وأموالهم. ولا
يجوز لمسلم أن يفر من معركة هو الفائز فيها إما بالفتح والنصر وغنيمة ،
وإما بالشهادة في سبيل الله.
وسابعة الموبقات :
قذف المحصنات
الغافلات المؤمنات ورميهن بالزنا ونسبتهن إلى الفواحش. إنها لجريمة عظيمة
أن تعمد إلى امرأة كريمة متمتعة بالحصانة والعفة بعيدة عن الريبة ولا تخطر
بقلبها الفاحشة فتقذفها بالزنا وترميها الفاحشة.
إن من يفعل ذلك يجب أن
يأتي أربعة شهداء وإلا فهو عند الله من الكاذبين الفاسقين ولا تقبل له
شهادة أبداً ويجب أن يقام عليه الحد ثمانون جلدة ، هذا جزاؤه في الدنيا ،
وجزاؤه في الآخر ما رتبه الله على هذا الإفك { إن الذين يرمون المحصنات
الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم * يوم تشهد
عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون } (النور 23-24).
فاجتنب أيها المسلم هذه الموبقات ولا تدنس نفسك بشيء منها فتوجب لها مقت الله وغضبه إلى جانب مقت الناس وسخطهم عليك واحتقارهم لك.
واعلم
أن الكبائر كثيرة فهي كما قال ابن عباس –رضي الله عنهما – إلى السبعين
أقرب ، وقد ألفت فيها كتب مثل : الكبائر للذهبي وهو مطبوع ، ومثل كتاب
الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيتمي ، فاعرف الكبائر ثم اجتنبها
يغفر الله لك الصغائر واللمم قال تعالى : { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه
نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريما } (النساء 31).
ما يستفاد من الحديث :
1- رأفة الرسول – صلى الله عليه وسلم – ورحمته بأمته حيث يدلهم على خير ما يعلمه لهم ، ويحذرهم شر ما يعلمه لهم.
2-
وجوب اجتناب هذه الموبقات التي حذر منها رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
، واجتناب غيرها من الكبائر التي دل عليها الكتاب والسنة.
3- أعظم هذا الكبائر الشرك بالله فإنه الذنب الذي لا يغفر.
المصدر
: كتاب ” مذكرة الحديث النبوي في العقيدة والاتباع ” ، من مجموع كتب
ورسائل وفتاوى فضيلة الشيخ العلامة ربيع بن هادي عمير المدخلي [ 1/ 229 ] ،
بتصرف يسير .