إن للمكاسب المحرمة آثارًا سيئة على الفرد والمجتمع، فإنها تُضعف الديانة، وتعمي البصيرة، ومن أسباب محق البركة في الأرزاق، وحلول المصائب والرزايا، وحصول الأزمات المالية المستحكِمة والبطالة المتفشية، وانتشار الإحن والشحناء والعداء والبغضاء.
وإن مما يؤسى له عظيم الأسى أن في الناس من لا يتحاشون عن اكتساب المال الحرام وتحصيله من أي طريق وعبر أي وسيلة، إذ ليس لهم همٌّ إلا تكديس الأموال وتضخيم الثروات، فالحلال في عرفهم ما قدروا عليه، والحرام ما تعذر وصولهم إليه، يسلكون في طلبه مسالك معوجَّة وسبلاً مشبوهة، بل وقد لا يكترثون من المجاهرة بالمكاسب الخبيثة والاستيلاء على الأموال المحرمة التي لا شبهة في تحريمها، حتى أصبح هذا المسلك المشين لشيوعه وانتشاره ظاهرة مألوفة في كثير من مجتمعات المسلمين، حيث فشا فيها أكل الربا وتعاطي الرشوة والغصب والسرقة والمتاجرة بالمحرمات كالخمور والمخدرات وآلات اللهو والغناء ونحوها، وتطفيف المكاييل والموازين والغش والخداع في البيوع والمعاملات، وإنفاق السلع بالأيمان الفاجرة، وأكل أموال اليتامى والقاصرين، والاستيلاء على الحقوق والممتلكات، واختلاس الأموال الخاصة والعامة، بأساليب مختلفة وسبلٍ متنوعة، بلا خوفٍ من الله ولا حياءٍ من عباد الله، في صور مهينة من صور البطر والأشر والجشع والطمع لدى بعض النفوس، حين يضعف فيها وازع الإيمان، وتتحلل من المروءة ومكارم الأخلاق، وإنه ليكاد يصدق على هذا الزمان ما جاء في الحديث عند البخاري وغيره أن رسول الله قال: ((يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه، أمن الحلال أم من الحرام؟))(7)[7].
فأين هؤلاء عن قوارع التنزيل التي تُتلى والأحاديث التي تُروى في التحذير من أكل الحرام وبيان عاقبة صاحبه وسوء مصيره ومنقلبه؟! أليس لهم فيها مُدّكرٌ وواعظ ومزدجرٌ ورادع؟! أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24].
يقول الحق جل وعلا في التحذير من الربا: ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الرّبَوااْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبتُمْ فَلَكُمْ رُءوسُ أَمْوالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ [البقرة:278، 279]، ويقول عز شأنه في بيان ما أعد من العذاب لأكلة أموال اليتامى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً[النساء:10]، ويقول جل وعلا متوعدًا أهل التطفيف للمكاييل والموازين: وَيْلٌ لّلْمُطَفّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلا يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبّ الْعَالَمِينَ [المطففين:1-6]. وفي الحديث عن أبي أمامة الحارثي رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((من اقتطع حق امرئ مسلمٍ بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرّم عليه الجنة))، فقال له رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ قال: ((وإن كان قضيبًا من أراك)) رواه مسلم في صحيحه(8)[8]، ورُوي أيضًا عن عدي بن عميرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطًا فما فوقه كان غلولاً يأتي به يوم القيامة))(9)[9]، والله عز وجل يقول: وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [آل عمران:161].
فاتقوا الله عباد الله، ولتجتنبوا ما حرم ربكم عليكم ونهاكم عنه من المكاسب الخبيثة والأموال المحرمة، ولتقنعوا بما أحل لكم من الطيبات، ففي الحلال الغنية والكفاية والسعادة في الدنيا والآخرة.
اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، يا واسع الفضل والإحسان، يا أكرم الأكرمين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ للَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172].