إن وجود الأسرة هو امتداد للحياة البشرية، وسر البقاء الإنساني، فكل إنسان
يميل بفطرته إلى أن يَظْفَرَ ببيتٍ وزوجةٍ وذريةٍ..، ولما كانت الأسرة
اللبنة الأولى في بناء المجتمع لكونها رابطة رفيعة المستوى ، فقد رعتها
الأديان عموما؛ وإن كان الإسلام تميز بالرعاية الكبرى، قال تعالى:( إنَّا
عرضنا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ والجِبَالِ)(1)، جاء ضمن
معاني الأمانة؛ أمانة الأهل والأولاد، فيلزم الولي أن يأمر أهله وأولاده
بالصلاة، ويحفظهم من المحارم واللهو واللعب،لأنه مؤتمن ومسؤول عما استرعاه
الله(2)
ومسألة الاهتمام بالأسرة من القضايا العالمية التي زاد الحديث حولها؛ لا
سيما في العصر الحاضر، وذلك على مستوى الدول والهيئات والمنظمات الدولية،
حيث تحاول كل منها إيجاد صبغة من عند أنفسها، من ذلك رفعها لشعارات الحرية .
وإِنَّ التأكيد على أهمية دور الأسرة في رعاية الأولاد، لمن أَجَلِّ
الأمور،التي يجب أن تتضافر جهود الآباء والأمهات، وأهل العلم، والدعاة،
والتربويين، والإعلاميين .. للمحافظة على بناء الأسرة الصالحة في المجتمع،
فهي أمانة أمام الله- تعالى- نحن مسؤولون عنها، فالمرء يُجزى على تأدية
الحقوق المتعلقة بأسرته، إِنْ خيرا فخير وإلا غير ذلك، قال تعالى
(يأَيُّهَـا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً
وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَة ) (4).
أولا – تعريف الأسرة :
قال ابن منظور: “أُسرةُ الرجل: عشيرتُه ورهطُهُ الأدْنَوْنَ لأنه يتقوى
بهم، والأُسرةُ عشيرةُ الرجل وأهلُ بيته”(5) . وقد جاء في كتاب الله-عز
وجل- ذِكْرُ الأزواج والبنين والحفدة، بمعنى الأسرة، قوله تعالى: (والله
جَعَلَ لَكُم من أَنفُسِكُم أَزوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِن أَزَوَاجِكُم
بَنِين َ وَحَفَدَة وَرَزَقَكُم مِن الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالبَاطِلِ
يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُم يَكْفُرُون)(6)
ثانيا: مسؤولية الوالدين في تربية الأولاد:
فطر الله -عز وجل- الناس على حب أولادهم قال تعالى : (المالُ والبَنُونَ
زِينَةُ الحَيَاةِ الدنيا)(8)، ويبذل الأبوان الغالي والنفيس من أجل تربية
أبنائهم وتنشئتهم وتعليمهم، ومسؤولية الوالدين في ذلك كبيرة، فالأبناء
أمانة في عنق والديهم، وتربية الأم بالذات في السنوات الأُوَل، فقلوبهم
الطاهرة جواهر نفيسة خالية من كل نقش وصورة، وهم قابلون لكل ما ينقش عليها،
فإن عُوِّدُوا الخير والمعروف نشئوا عليه، وسُعِدوا في الدنيا والآخرة،
وشاركوا في ثواب والديهم، وإن عُوِّدُوا الشر والباطل، شقُوا وهلكُوا، وكان
الوِزْرُ في رقبة والديهم، والوالي لهم (9) .
ويمكن القول بأن للأسرة دورًا كبيرًا في رعاية الأولاد – منذ ولادتهم – وفي
تشكيل أخلاقهم وسلوكهم، وما أجمل مقولة عمر بن عبد العزيز – رحمه الله –
“الصلاح من الله والأدب من الآباء” .
وأذكر قصة في جانب الإهمال، سرق رجل مالاً كثيرًا، وقُدّم للحد فطلب أمه،
ولما جاءت دعاها ليقبلها، ثم عضها عضة شديدة، وقيل له ما حملك على ما صنعت؟
قال: سرقت بيضة وأنا صغير، فشجعتني وأقرتني على الجريمة حتى أفضت بي إلى
ما أنا عليه الآن .
ثالثا- الأسرة وبناء القيم والسلوك :
للوالِدَيْنِ في إطارِ الأسرة أساليبُ خاصة من القيم والسلوكِ تجَاهَ
أبنائهم في المناسباتِ المختلفةِ، ولهذا فإن انحرافاتِ الأسرةِ من أخطرِ
الأمورِ التِي تُوَلِّدُ انحرافَ الأبناءِ .
فالتوجيهُ القيمي يبدأُ في نطاقِ الأسرةِ أولاً، ثم المسجد والمدرسة
والمجتمع . فالأسرةُ هي التي تُكْسِبُ الطفلَ قِيَمَهُ فَيَعْرِفُ الَحقَ
والبَاطلَ، والخيرَ والشرَ، وَهو يَتلَّقَى هذه القيمِ دونَ مناقشةٍ في
سِنيهِ الأولى، حيث تتحددُ عناصرُ شخصيتِهِ، وتتميزُ ملامحُ هويتِهِ على
سلوكه وأخلاقه؛ لذلك فإن مسؤولية عائلَ الأسرةِ في تعليمِ أهلِهِ وأولاده
القيم الرفيعة، والأخلاق الحسنة، وليس التركيز فقط على السعيِ من أجل الرزق
والطعام والشراب واللباس..، قال : “ألا كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته،
فالإمام الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته،
وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده، وهي مسؤولة
عنهم” (12)، وكان يقول صلى الله عليه وسلم لأصحابه -رضوان الله عليهم-:”
ارجعوا إلى أهلِيكُم فأقيمُوا فيهم وَعَلِّمُوهم”(13).
وقصة الرجل مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، الذي جاء يشتكي عقوق ابنه إلى
أمير المؤمنين، فطلب عمر: أن يلقى ابنه، فسأل الابن عن عقوقه لوالده،
فقال: إن أبي سماني جُعُلاً، ولم يعلمني آية واحدة..؛ فقال عمر للرجل: لقد
عققت ابنك قبل أن يعقك.
ولذلك ينبغي تعويد الأولاد منذ صغرهم على بعض الأمور الأساسية، من ذلك:
أ- الأمر باعتناق العقيدة الصحيحة
ب- بعث روح المراقبة لله والخوف منه
ج- الحث على إقامة الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم: “مروا صبيانكم للصلاة
إذا بلغوا سبعا، واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرا، وفرقوا بينهم في المضاجع”
(15).
د- التحلي بمكارم الأخلاق والآداب العامة .
رابعا- المعاملة الحسنة في توجيه الأولاد :
أمر الإسلام بالمساواة في المعاملة بين الأولاد في العطاء المعنوي والمادي،
وأوصى بمعاملة الإناث كالذكور معاملة متماثلة دون تمييز للأبناء على
البنات.
وتتباين معاملة الأسر لأولادهم في ثلاثة أنواع :
النوع الأول : المعاملة القاسية : تتسم بالشدة في التعامل كالزجر أو
التهديد أو الضرب بدون ضوابط أو حدود مشروعة، أو الإهمال للأبناء بحجة ظروف
العمل، وكثرة الأسفار، فيحرم الأولاد من البر بهم والتعامل معهم .
النوع الثاني : المعاملة اللينة : يُلَبَّى فيها كل ما يطلبه الأولاد،
ويُطلق عليها “التربية المدللة” والإفراط في الدلال يؤدي إلى خلق شخصية
فوضوية.
النوع الثالث : المعاملة المعتدلة : تعتمد على المزج بين العقل والعواطف،
وتوجيه النصح والإرشاد، وبهذا تتكون شخصية سليمة وصحيحة، وإذا لم يستجب
الأولاد بالإرشاد والتوجيه يلجأ الأبوان إلى توبيخهم ثم هجرهم ثم حرمانهم
من بعض الأشياء والأمور المحببة إليهم أحيانًا، وأخيرًا إلى ضربهم-إذا لزم
الأمر- لإعادتهم إلى الطريق الصحيح، وهذا النوع من المعاملة هي المعاملة
الصحيحة التي ينبغي أن تسير عليها الأسرة .
خامسا- مخاطر تواجه الأسرة :
أ- التناقض في أقوال الوالدين وسلوكياتهم :
بعض الآباء والأمهات يناقضون أنفسهم بأنفسهم، فتجدهم يأمرون الأولاد بأمور
وهم يخالفونها، وهذه الأمور تسبب تناقضا لدى الأولاد، فالأب الذي يكذب؛
يعلم أبناءه الكذب، وكذلك الأم التي تخدع جارتها بمسمع من بنتها تعلم
ابنتها مساوئ الأخلاق.
ب- الانفصام بين المدرسة والأسرة:
الانفصام بين دور الأسرة في الرعاية والتوجيه، ودور المدرسة في التربية
والتعليم؛ له آثار سلبية عديدة، ولذا ينبغي مد جسور التعاون بين الأسرة
والمدرسة، وإيجاد جَوٍ من الثقة والتعاون في سبيل الرقي بالأولاد قدما نحو
البناء والعطاء .
ج- وجود المربيات والخادمات الأجنبيات :
أصبح وجود المربيات والخادمات ظاهرة بارزة في المجتمع الخليجي، ولا شك أن
وجود هؤلاء له آثار خطيرة في التنشئة الاجتماعية للأسرة، لاسيما هؤلاء
الكافرات وذوات السلوكيات المنحرفة، لا بد أن تعي كل أسرة خطورة وأبعاد
وجود الخادمات والمربيات الأجنبيات وتحذر من شرورهن.
د- وسائل الإعلام :
تؤكد نتائج الأبحاث والدراسات بما لا يدع مجالا للشك أن الطفل العربي
المسلم يتعرض لمؤثرات خطيرة، وأن شخصيته وهي في مراحل تكوينها تخضع لضغوط
سلبية متنوعة .
هـ- الفراغ وعدم الإفادة من الوقت :
ينبغي أن يشغل الأبناء في أوقاتهم بالنفع والفائدة، يقول النبي ‘: (نعمتانِ
مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس، الصِّحة والفراغ )(20). فهناك الأعمال التي
يسهمون فيها بمساعدة والديهم والبِرِّ بهم، ويمكن تعويدهم حضور مجالس الذكر
وحلق العلم، وتلاوة القرآن الكريم، وقراءة قصص الصحابة والصالحين، أو
الاستماع إلى الأشرطة النافعة وغير ذلك.