قَال تَعَالَى"وَمَن يَغْلُل يَأْت بِمَا غَل يَوْم الْقِيَامَة"
بِم يَتَعَلَّق الْظَّرْف يَوْم الْقِيَامَة؟ أْبِالفِعّل "غَل" الْقَرِيْب مِنْه؟ أَم بـ "يَأْت"الْبَعِيْد عَنْه ؟
الْأَصْل أَن يَتَعَلَّق الْظَّرْف بِالْفِعْل " غَل " الْقَرِيْب مِنْه ،إِلَا أَن الْمَعْنَى يَمْنَع مِن هَذَا الْتَّعْلِيْق ، وَالْعَقْل لَا يَسْمَح بِوُجُوْد عَلَاقَة مَعْنَوِيَّة بَيْنَهُمَا ، فَلَا احْتِيَاج مَعْنَوِيا بَيْنَهُمَا ،فَلَا تَحْصُل عَمَلِيَّة الْبِنَاء بَيْنَهُمَا ،وَحُصُول هَذِه الْعَلَاقَة يُؤَدِّي إِلَى اللَّبْس الَّذِي يَرْفُضُه الْعَقْل ،إِذ لَا غُلُوّل يَوْم الْقِيَامَة ، مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى الْتَّعْلِيْق بِالْبَعِيْد ، وَهُو الْفِعْل "يَأْت" ، فَالْقُرْآَن الْكَرِيْم يَتْرُك الْتَّعْلِيْق بَالَقَرِيْب ، وَيُعَلِّق بِالْبَعِيْد عِنْد الْلُّبْس ، قَال تَعَالَى" فَإِن حَاجُّوْك فَقُل أَسْلَمْت وَجْهِي لِلّه وَمَن اتَّبَعَن " فَقَد عَطَف "وَمِن اتَّبَعَن "عَلَى الْتَّاء فِي أَسْلَمْت ، أَو جَعَلَهَا مَفْعُوْلا مَعَه ،وَلَم يَعْطِفُها عَلَى لَفْظ الْجَلَالَة لِأَنَّه مَلْبَس ، وَالْمَعْنَى يُمْنَع مِن ذَلِك ، وَكَذَلِك الْحَال هُنَا .
وَلَكِن ، لِم لَم تَأْت الْعِبَارَة عَلَى الشَّكْل الْتَّالِي "وَمَن يَغْلُل يَأْت يَوْم الْقِيَامَة بِمَا غَل " ؟
1- لِأَن الْأَلْفَاظ تَتَرَتَّب بِحَسَب الْأَهَمِّيَّة الْمَعْنَوِيَّة ، وَبِمَا أَن "بِمَا غَل"و"يَوْم الْقِيَامَة"مُتَعَلِّقَان بِالْفِعْل "يَأْت" وَهُمَا مَبْنِيَّان عَلَيْه ، وَبِمَا أَن الْأَهَمِّيَّة هُنَا لِلْشَّيْء الْمَغْلُول ، وَلَيْس لِيَوْم الْقِيَامَة ، فَقَد قَدَّم الْمَبْنِي الْأَهَم ، وَهُو "بِمَا غَل" وَجَمَع بَيْن الْفِعْل "يَأْت" و"بِمَا غَل" لِلْتَّأْكِيد عَلَى عَدَم نُقْصَان شَيْء مِن الْمَغْلُول ،وَالْمَجِيْء بِه كَامِلا ،
فَالْمَبَانِي تَتَرَتَّب بَعْد الْمَبْنِي عَلَيْه بِحَسَب مَنْزِلَة الْمَعْنَى بَيِّن الْمَبْنِي عَلَيْه وَالْمَبَانِي ،وَالْمُتَقَدِّم فَي الْمَوْقِع مُتَقَدِّم فِي الْمَنْزِلَة وَالْمَكَانَة ،وَالْمُتَاخِّر فَي الْمَوْقِع مُتَأَخِّر فِي الْمَنْزِلَة وَالْمَكَانَة كَذَلِك.
2- هُنَاك تِنَا سَب مَعْنَوِي وَصَوْتِي بَيْن الْفِعْل "يَغْلُل" وَالْفِعْل "غَل" .
وَالْلَّه تَعَالَى أَعْلَم