الْسَّيِّدَة فَاطِمَة الْزَّهْرَاء ابْنَة سَيِّد الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسَلِيْن صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم وَأُمَّهَا أَم الْمُؤْمِنِيْن الْسَّيِّدَة خَدِيْجَة بِنْت خُوَيْلِد خَيْر نِسَاء الْعَالَمِيْن. وُلِدْت الْسَّيِّدَة فَاطِمَة ـ رَضِي الْلَّه عَنْهَا وَأَرْضَاهَا ـ قَبْل بَعْثَة الْمُصْطَفَى بِخَمْس سِنِيْن فِي يَوْم الْجُمُعَة 20 مِن جُمَادَى الْآَخِرَة فِي الْعَام الَّذِي اخْتَلَفَت فِيْه قُرَيْش عَلَى وَضْع الْحَجَر الْأَسْعَد فِي مَكَانِه مِن الْكَعْبَة فَوَضَعَه رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم وَلِمَا عَاد إِلَى بَيْتِه تَلْقَى نَبَأ مُوَلِّد ابْنَتَه فَتَهَلَّل وَدَخَل عَلَى خَدِيْجَة ـ رَضِي الْلَّه عَنْهَا ـ وَبَارِك لَهَا فِي مَوْلوَدْتِهَا وَدَعَا بِالْبَرَكَة فِيْهَا وَفِي ذُرِّيَّتِهَا.
وَالْسَّيِّدَة فَاطِمَة هِي الابْنَة الْرَّابِعَة لِرَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم مِن الْسَيِّدَة خَدِيْجَة فَهِي بَعْد زَيْنَب وَرُقَيَّة وَأُم كُلْثوُم، وُلِدْت الْسَّيِّدَة فَاطِمَة وَرَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم يَسْتَعِد لِتَلَقِّي الْنُّبُوَّة وَالْرِّسَالَة فَقَد حَبِّب إِلَيْه الْتَّحَنُّث فِي غَار حِرَاء.
مَوَاقِفِهِا قَبْل الْهِجْرَة
هُجِرَت الْسَيِّدَة فَاطِمَة رَضِي الْلَّه عَنْهَا الْطُفُوْلَة مُنْذ صِغَرِهَا فَقَد عَاشَت أَمَّا لِأَبِيْهَا بَعْد مَوْت أُمِّهَا خَدِيْجَة ـ رَضِي الْلَّه عَنْهَا وَأَرْضَاهَا ـ وَكَانَت تُخَفِّف عَنْه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم الْأَحْزَان وَتَرُد عَنْه أَذَى مُشْرِكِي قُرَيْش فَقَد أَخْرَج الْبُخَارِي: أَن عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط جَاء بِسَلَا جَزُوْر فَوَضَعَه عَلَى ظَهْر رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم فَلَم يَرْفَع رَأْسَه حَتَّى جَاءَت فَاطِمَة ـ رَضِي الْلَّه عَنْهَا ـ فَرَفَعْتُه وَدَعَت عَلَى مَن صَنَع ذَلِك عِنْد ذَلِك رَفَع الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم رَأْسَه وَقَال: «الْلَّهُم عَلَيْك بِأَبِي جَهْل بْن هِشَام وَعُتْبَة بْن رَبِيْعَة وَشَيْبَة بْن رَبِيْعَة وَعُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط وَأَبِي بْن خَلَف».
هَجَرَتْهَا
وَلَمَّا هَاجَر رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم أَرْسَل رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم مِن يَأْتِي بِأَهْلِه فَخَرَجْت الْسَّيِّدَة فَاطِمَة وَأُخْتَهَا أَم كُلْثُوْم وَمَعَهُمَا سَوْدَة بِنْت زَمْعَة وَفِي طَرِيْق الْهِجْرَة إِلَى الْمَدِيْنَة نَخَس الْحُوَيْرِث الْقُرَشِي الدَّابَّة الَّتِي كَانَت تُحْمَل الْسَّيِّدَة فَاطِمَة وَأُخْتَهَا أَم كُلْثُوْم فَرَمَت بِهَا الْدَّابَّة فِي طَرِيْق الْصَّحْرَاء بَيْن مَكَّة وَالْمَدِيْنَة وَأَثَّرَت عَلَى سَاقَيْهَا فَلَمَّا عَلِم رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم بِذَلِك حَزِن حُزْنِا شَدِيْدا، فَلَمَّا كَان يَوْم فَتْح مَكَّة أَشَار إِلَى أَصْحَابِه رَضِي الْلَّه عَنْهُم بِقَتْل الْحُوَيْرِث حَتَّى وَلَو تَعَلَّق بِأَسْتَار الْكَعْبَة وَلَم يَعْتَذِر الْحُوَيْرِث عَن فَعَلْتِه فَبَحَث عَنْه الْإِمَام عَلِي بْن أَبِي طَالِب رَضِي الْلَّه عَنْه حَتَّى وَجَدَه فَقَتَلَه.
زَوَاجِهَا مِن عَلِي كَرَّم الْلَّه وَجْهَه
وَلَمَّا بَلَغَت فَاطِمَة مَبْلَغ الْزَّوَاج تَقَدَّم لِخِطْبَتِهَا أَبُو بَكْر الْصِّدِّيق وَعُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِي الْلَّه عَنْهُمَا فَأَجَابَهُمَا رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم بِقَوْل جَمِيْل كَمَا فِي الْنَّسَائِي «إِنَّهَا صَغِيْرَة» وَفِي رِوَايَة «إِنِّي أَنْتَظِر بِهَا الْقَضَاء».
وَهْنَا أَشَار عُمَر بِن الْخَطَّاب عَلَى عَلِي بِن أَبِي طَالِب ـ رَضِي الْلَّه عَنْهُمَا ـ أَن يَتَقَدَّم لِخِطْبَتِهَا وَقَال لَه: أَنْت لَهَا يَا عَلِي فَتَقَدَّم عَلَى لِخِطْبَتِهَا وَكَان عُمُرُها فِي حَوَالَي الْثَّامِنَة عَشْرَة مِن عُمْرِهَا وَكَان عَلِي فِي الْثَّانِيَة وَالْعِشْرِيْن.
وَرُوِي أَن نَفَرا مِن الْأَنْصَار قَالُوْا لَعَلِّي بْن أَبِي طَالِب: عِنْدَك فَاطِمَة فَائِت رَسُوْل الْلَّه فَسَلَّم عَلَيْه وَكَلَّمَه، فَذَهَب عَلَي إِلَى رَسُوْل الْلَّه فَمَا كَاد عَلَي يَجْلِس حَتَّى قَال لَه رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم: «مَا حَاجَتُك يَا بْن أَبِي طَالِب؟».
فَذَكَر عَلِي فَاطِمَة ـ رَضِي الْلَّه عَنْهَا ـ فَقَال رَسُوْل الْلَّه: «مُرَحِّبا وَأَهْلَا».
وَلَم يُرِد، وَخَرَج عَلِي ـ رَضِي الْلَّه عَنْه ـ إِلَى أُوْلَئِك الْجَمْع مِن الْأَنَصَار وَهُم يَنْتَظِرُوْنَه قَالُوْا: مَا وَرَاءَك؟
قَال عَلِي ـ رَضِي الْلَّه عَنْه ـ : مَا أَدْرِي غَيْر أَن رَسُوْل الْلَّه قَال لِي: «مُرَحِّبا وَأَهْلَا».
قَالُوْا: أَيَكْفِيك مِن رَسُوْل الْلَّه إِحْدَاهُمَا: أَعْطَاك الْأَهْل وَأَعْطَاك الْمُرَحَّب؟
وَفِي الْيَوْم الْتَّالِي وَقَف عَلَي ـ رَضِي الْلَّه عَنْه ـ قَرِيْبا مِّن رَّسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم فَأَلْقَى عَلَيْه الْسَّلَام، ثُم قَال: أَرَدْت أَن أَخْطُب فَاطِمَة يَا رَسُوْل الْلَّه.
فَالْتَفَت إِلَيْه رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم بِرِفْق وَحَنَان ثُم سَأَلَه: «وَهَل عِنْدَك شَيْء؟
«فَرَد عَلَيْه عَلِي قَائِلَا: لَا يَا رَسُوْل الْلَّه.
فَقَال رَسُوْل الْلَّه: «فَأَيْن دِرْعُك الَّتِي أَعْطَيْتُك يَوْم بَدْر؟».
فَقَال عَلِي ـ رَضِي الْلَّه عَنْه ـ : هِي عِنْدِي يَا رَسُوْل الْلَّه.
فَقَال رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم: «ائْت بِهَا». فَجَاءَه بِهَا فَأَمَرَه رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم أَن يَبِيْعَهَا لِيُجْهِز الْعَرُوس بِثَمَنِهَا، وَعَلَّم عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِي الْلَّه عَنْه بِمَا كَان بَيْن رَسُوْل الْلَّه وَعَلَي ـ رَضِي الْلَّه عَنْه ـ فَاشْتَرَاهَا مِنْه ابْن عَفَّان وَبَالِغ فِي الثَّمَن لِيُمْكِنَه مِن دَفْع مَا يَلِيْق بِصَدَاق الْزَّهْرَاء فَدَفَع إِلَيْه أَرْبَعُمِائَة وَسَبْعِيْن دِرْهَما فَدَفَعَهَا عَلَى كُلِّهَا صَدَاقا وَتَمَّت الْخُطْبَة وَأَعْطَى الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم لِبِلال ـ رَضِي الْلَّه عَنْه ـ مُبَلِّغا لِيَشْتَرِي بِبَعْضِه طَيِّبَا وَعِطْرَا ثُم دَفَع الْبَاقِي إِلَى أُم سَلَمَة ـ رَضِي الْلَّه عَنْهَا ـ لِتَشْتَرِي مَا يَحْتَاج إِلَيْه الْعَرُّوُسَان مِن مَتَاع وَغَيْرِه.
وَقَبْل الْحَفْل قَال رَسُوْل الْلَّه لِخَادِمِه أَنَس بْن مَالِك رَضِي الْلَّه عَنْه انْطَلَق وَادْع لِي أَبَا بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَطَلْحَة وَالْزُّبَيْر وَغَيْرِهِم مِّن الْمُهَاجِرِيْن وَالْأَنْصَار وَدَعَا أَنَس جَمْعَا كَبِيْرَا مِن الْمُسْلِمِيْن، فَقَام رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم خَطِيْبا وَقَال: «الْحَمْد لِلَّه الْمَحْمُوْد بِنِعْمَتِه الْمَعْبُوْد بِقُدْرَتِه الْمُطَاع بِسُلْطَانِه المَهُرُوب إِلَيْه مِن عَذَابِه الْنَّافِذ أَمْرِه فِي أَرْضِه وَسَمَائِه الَّذِي خَلَق الْخَلْق بِقُدْرَتِه»... إِلَى أَن قَال: «إِن الْلَّه عَز وَجَل جَعَل الْمُصَاهَرَة نَسَبا حَقّا وَأَمْرا مُفْتَرَضَا وَحُكْما عَادِلَا وَخَيْرَا جَامِعا.. فَقَال الْلَّه عَز وَجَل: (وَهُو الَّذِي خَلَق مِن الْمَاء بَشَرا فَجَعَلَه نَسَبا وَصِهْرا وَكَان رَبُّك قَدِيْرا) ثُم إِن الْلَّه تَعَالَى أَمَرَنِي أَن أُزَوِّج فَاطِمَة مِن عَلِي وَأُشْهِدُكُم أَنِّي زَوَّجْت فَاطِمَة مِن عَلِي عَلَى أَرْبَعِمِائَة مِثْقَال فِضَّة إِن رَضِي بِذَلِك عَلَى الْسُّنَّة الْقَائِمَة وَالْفَرِيْضَة الْوَاجِبَة فَجَمَع الْلَّه شَمَلَهُمَا وَبَارِك لَهُمَا وَأَطَاب نَسْلُهُمَا وَجَعَل نَسْلُهُمَا مَفَاتِيْح الْرَّحْمَة وَمَعَادِن الْحِكْمَة وَأَمِن الْأُمَّة أَقُوْل قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِر الْلَّه لِي وَلَكُم». فَقَال عَلِي رَضِي الْلَّه عَنْه: رَضِيَت يَا رَسُوْل الْلَّه ثُم خَر سَاجِدا شُكْرَا لِلَّه فَلَمَّا رَفَع رَأْسَه قَال رَسُوْل الْلَّه: «بَارَك الْلَّه لَكُمَا وَعَلَيْكُمَا وَأَسْعَد جَدَّكُمَا وَأَخْرَج مِنْكُمَا الْكَثِيْر الْطَّيِّب.
وَتَزَوَّج عَلَي فَاطِمَة وَبَنَى بِهَا بَعْد مَرْجِع الْمُسْلِمِيْن مِن بَدْر فِي مُحَرَّم فِي الْسَّنَة الْثَّانِيَة مِن الْهِجْرَة وَأَوْلَم عَلَيْهَا فَذَبَح عَلَيْهَا كَبْشا أَهْدَاه إِيَّاه سَعْد بْن عُبَادَة الْأَنْصَارِي وَكَان عَلِي بْن أَبِي طَالِب رَضِي الْلَّه عَنْه فَقِيْرا.
قَال عَلَي بْن أَبِي طَالِب رَضِي الْلَّه عَنْه: لَقَد تَزَوَّجْت فَاطِمَة وَمَا لِي وَلَهَا غَيْر جَلْد كَبْش تَنَام عَلَيْه بِالْلَّيْل وَنُعَلَف عَلَيْه الْنَّاضِح بِالْنَّهَار وَمَا لِي وَلَهَا خَادِم غَيْرُهُا. وَأَرْسَل رَسُوْل الْلَّه مَع فَاطِمَة عِنْد زَوَاجِهَا بخْمِلّة وَوِسَادَة حَشْوُهَا لِيْف وَسِقَاء وَجَرَّتَيْن فَكَان ذَلِك هَدِيَّة زَوَاجِهَا مِن أَبِيْهَا.
انْتِقَالِهَا لِلْعَيْش بِجِوَار الْرَّسُوْل صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم
بَنِى عَلَي رَضِي الْلَّه عَنْه بِهَا فِي بَيْت أُمِّه فَاطِمَة بِنْت أَسَد وَكَان ذَلِك بَعِيْدَا عَن بَيْت رَسُوْل الْلَّه وَكَانَت تَتَمَنَّى أَن تَكُوْن مِن الْسَّكَن بِقُرْب أَبِيْهَا وَسَرَعَان مَا تَحَقَّق أَمَلَهَا فَقَد جَاءَهَا الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم قَائِلا: «إِنِّي أُرِيْد أَن أُحَوِّلَك إِلَي».
فَقَالَت لِرَسُوْل الْلَّه: فَكَلَّم حَارِثَة بْن الْنُّعْمَان أَن يَتَحَوَّل وَأَكُوْن إِلَى جِوَارِك. فَبَلَغ ذَلِك حَارِثَة فَتَحَوَّل وَجَاء إِلَى الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم فَقَال: يَا رَسُوْل الْلَّه إِنّه بَلَغَنِي أَنَّك تُحَوِّل فَاطِمَة إِلَيْك وَهَذِه مَنَّازُلي وَهِي أَقْرَب بُيُوْت بَنِي النَّجَّار بِك وَإِنَّمَا أَنَا وَمَالِي لِلَّه وَلِرَسُوْلِه وَاللَّه يَا رَسُوْل الْلَّه الْمَال الَّذِي تَأْخُذ مِنِّي أُحِب إِلَى مَن الَّذِي تَدْع.
فَقَال لَه الْرَّسُوْل صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم: «صَدَقْت بَارَك الْلَّه عَلَيْك» فَحَوَّلَهَا رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم إِلَى بَيْت حَارِثَة.