مرض خطير.. حب الدنيا
بقلم : حمد خالد الرفاعى
الحمدلله وحده.. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. وعلى آله وأزواجه وصحبه.. أما بعد
ظهرت النبؤات.. وزادت العلامات.. وقرب البعيد.. و..اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ
الكل سمع بعلاماتها.. وقد أخبرنا نبينا صلوات ربي وسلامه عليه بقربها.. فقال :بعثت أنا والساعة كهاتين . يشير بإصبعيه فيمدهما . ( صحيح البخاري )
والقبر ينادي.. والموت يخطف الناس كل يوم أمام أعيننا.. ولكن ما زال ذاك المرض يتعبنا.. وهذا الفيروس يعدينا.. وهذا الداء يؤرقنا
إنه حب الدنيا!!
أنظر أخي في الله حولك.. أنظر لتعلق الناس وبما فيهم انا وأنت في الدنيا.. صار همّنا الشاغل.. في الدنيا.. وكيف نجمع المال لشراء تلك السيارة.. وكيف نصل لذاك المنصب.. ومن يفوز في تلك المباراة
أعمانا حبنا للدنيا والشهوات الزائلة عن الآخرة.. ونجح الشيطان في دس سمّه الخبيث وزينه بزينة الحياة الدنيا..
أمثلة
نرى ذلك واضحاً جلياً ومن ذلك مثلاً : نرى كل يوم كيف يتعب الآباء والأمهات في تعليم أبنائهم وبناتهم.. تارة يسجلونهم في أفضل المعاهد والجامعات ليحصل على الشهادة ويتفوق.. وتارة يحضرون له المدرس إلى البيت على مزاجه لينجح فقط.. ويخسرون في ذلك الأموال الطائلة..
لماذا؟؟ لينجح في ماذا؟؟ في حياته؟؟ نعم لينجح في حياته.. وماذا بعد؟؟ لكي يحصل على وظيفة ومركز مرموق.. جميل.. وبعد.. لكي لا يعيش مثل الفقراء.. ويحصل على بيت وسيارة و و و و و
ليس ذلك بعيب.. ولكن العيب.. إن مثل هؤلاء الآباء والأمهات الحريصين على ( حياة ) أبنائهم.. أهملوا الحرص على ( آخرتهم ) !!
تراهم يخسرون كل ذاك المال والوقت وغيره.. على تعلم علوم الدنيا.. ولا نجد فيهم من يفكر أن يرسل إبنه أو إبنته لحفظ آية من كتاب الله!! وبالمجان!! بل وبعض المراكز تخصص مواصلات بالمجان لتعليم الناس!!
تراهم لا يركزون ويدققون في وضوء أبنائهم هل هو صحيح على السنة؟؟ لا يركزون في صلاتهم هل هي كما صلاها النبي ؟؟ والمخفي أكبر وأعظم.. بل إن من أبناء هؤلاء من لا يعرف الصلاة
باعو الآخرة.. وشروا الدنيا الرخيصة الزائلة.. فما موقف هؤلاء.. وأين سيذهبون من الله.. يوم لا ظل إلا ظله.. يوم يتعلق أبنائه وبناته يوم القيامة في رقبته.. ويقولون ويصرخون ويبكون لِمَ لم تعلمنا؟؟ لماذا أهملتنا؟؟ ماذا نفعل بالمال الآن؟؟ ماذا نفعل بهدية عيد الميلاد الآن؟؟ ماذا نفعل بالسيارة والبيت الآن؟؟
الدنيا الرخيصة.. الدنيا الزائلة.. التي لا تساوي عند الله شئ.. نرى فيها الإخوان يتقاتلون على خشاش الأرض.. على ورث أو أموال.. تذهب مع الريح
الدنيا التي من اسمها.. دنيا.. أي سفلى.. نرى فيها الإبن يسرق أباه.. نرى فيها الأب يظلم إبنه.. نرى فيها الأم تهمل أبنائها.. وغيرها مما يندى له الجبين
ومن الأمثلة.. ما نراه اليوم.. من بنات اليوم.. وما أدراك ما بنات اليوم.. فتنة.. ومظاهر.. وملاحقة للموضات والتقليعات.. ( ليس الكل طبعاً ).. والقصة المعروفة.. إذا جائها ذي الخلق والمروءة والدين.. طلبت النجوم.. وغلت في المهر.. وطمعت في الدنيا.. ألا أستحق حفلاً أفضل من صديقتي فلانة؟؟ ألا أساوي عندك أكثر من فستان بألف دينار؟؟ ألا أستحق هذا المهر؟؟ ألف من يتمناني.. أريد السكن لوحدي.. إفعل لي.. إشتر لي.. خذني أحضرني و و و و حتى يزهق الرجل ويترك الجمل بما حمل
فماذا بعد؟؟ هل نفعها حب الدنيا والتعلق في الملذات والمظاهر؟؟ هل بقائها في منزل والدها والعنوسة أفضل؟؟ أم الذهاب للمحرمات والزنا والعياذ بالله؟؟
أين ذهبت القناعة؟؟ أين ذهب الرضا.. أين ذهب الإيثار.. كلمات أصبحنا نسمع عنها في الكتب والأساطير مثل بعبع والعنقاء.. خرافات
الأمثلة.. لا ليست أمثلة.. بل هي أعراض.. أعراض مرض عضال.. وسرطان خبيث يصيب النفس وإن لم يتداركه المرء.. أدى به إلى النار وبئس المصير.. أعراض مرض حب الدنيا كثيرة.. كثيرة.. منها الإعراض عن كتاب الله وسنة رسوله.. صلوات ربي وسلامه عليه.. هجر الناس كتاب الله.. تراه في البيت.. كالزينة.. بل قد يعامل الناس زينة البيت بشكل أفضل من المصحف فينظفونها.. وكتاب الله يعلوه الغبار.. فلا حول ولا قوة إلا بالله..
يتابعون الجرائد.. وأخبار الفنانين والفنانات.. والرياضيين.. والأسهم والعقارات و و و و ... ينسون كلام الله.. شرفنا.. شرفنا الذي اهدانا إياه ربنا وشرفنا به.. بأن حفظ لنا كلامه.. لنرجع له ونداوي قلوبنا.. ونجلي همومنا.. هجرناه
أي أناس نحن.. بل بئس الناس نحن إن قربنا الله إليه وابتعدنا.. إن نادى المنادي للأذان.. لتلبية نداء الله وأبينا.. نسمعه كأنه ليس لنا.. بل ربما لو نادنا الطفل أجبناه.. ورب العالمين يدعونا للمغفرة ونأبى..
من الأعراض.. كثرة الحروب.. وإنتشار القتل والدمار.. طمع في مال.. أو سلطة أو جاه أو سيطرة أو نفوذ أو قطعة أرض..
ومنها الجري وراء التقليعات.. الملابس.. والماركة الفلانية.. والنقال الفلاني.. والنظارة والعباءة وغيرها.. لا عيب في التجمل.. ولكن الإسراف والمبالغة من أعراض حب الدنيا.. ونسيان الآخرة.. فماذا لو لبست نظارة عادية بدل النظارة ماركة فلان.. وتصدقت بباقي المبلغ لفقراء ينامون بجوعهم.. ولكن للأسف.. فمن الأعراض الخطيرة أيضاً.. أننا نرى الخمسة دنانير في شراء الملابس لا شئ.. ولكن عند التصدق بها.. تكون ثقيلة.. فسبحان الله
والأعراض كثيرة.. ومتعددة.. مما يسهل علينا تشخيص المرض.. فأخي في الله وأختي في الله.. إن أحسست بعارض من هذا الأعراض فسارع إلى الشافي.. واستغفر لذنبك وتب إلى ربك..
إذهب لأقرب سجادة واسجد لربك وتب إليه.. وأدعه أن يجعل الدنيا آخر همك.. فهذا المرض خطير ولا يجوز السكوت عليه
قال المولى عز وجل : { بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ** وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى }
وانظر لنبيك.. وقدوتك عليه أفضل الصلاة والتسليم.. وتأمل..
الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قال دخلت على رسول الله وهو على حصير قال فجلست فإذا عليه إزار وليس عليه غيره وإذا الحصير قد أثر في جنبه وإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع وقرظ في ناحية في الغرفة وإذا إهاب معلق فابتدرت عيناي فقال ما يبكيك يا ابن الخطاب فقلت يا نبي الله ومالي لا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جنبك وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى وذلك كسرى وقيصر في الثمار والأنهار وأنت نبي الله وصفوته وهذه خزانتك قال يا ابن الخطاب ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا قلت بلى
الله أكبر!! نبي الأمة!! الرحمة المهداة!! ينام على الحصير !! أنظر كيف باعو الدنيا للآخرة..
وأيضاً: أخرج الحاكم وقال: «صحيح على شرط البخاري» عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله دخل عليه عمر، وهو على حصير قد أثر في جنبه، فقال: يا نبي الله، لو اتخذت فراشاً أوثر من هذا، فقال: «مالي وللدنيا!؟ ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف، فاستظلّ تحت شجرة ساعة من نهار، ثم راح وتركها».
أين نحن منك يا رسول الله.. أشقتنا الدنيا وأهلكتنا.. وغرتنا أمانينا.. اللهم هل بلغت.. اللهم فأشهد.. والحمدلله الذي هداني لكتابة هذا الموضوع.. علّه يقع في قلوبكم ويدعوكم للتفكر في أخراكم.. وأسأل الله العفو و الغفران لي ولكم ولأمة المسلمين..