الجن وارد من عالم الغيب ، وكل ما يكون من عالم الغيب يقال عنه : " سمعيات " .
أى أنها أشياء سمعناها من الشرع الذى آمنا به .
وما دام قد ورد فى القرآن أشياء متعلقة بالجن فى قوله تعالى { قل أوحى إلَّى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا .
يهدى إلى الرشد فآمنا به } الجن 1 ، 2 ، فكأن هذا جنس غريب عنا ، وله
وجود ، وله استماع ، وله اختيار كما يراه من العقائد الصالحة .
والذى يقرآ سورة الجن يجد كل ما يتعلق بهذا الموضوع .
والشىء الآخر : أن اللّه عز وجل أخبر عن أحد رسله أنه سخر له الجن {
يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات } سبأ
13 ، وأثبت القرآن أيضاً أن الجن لا يعلم الغيب ، بدليل أنهم كانوا يخدمون
سليمان عليه السلام ، وظلوا يخدمونه مع أنه ميت { ما دلهم على موته إلا
دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما
لبثوا فى العذاب المهين } سبأ 14 ، إذن فالجن جنس له وجود ، وله تكليف ،
وله اختيار ، وله تناسل وكل هذا ثابت بنص القرآن الكريم ، وكوننا لا نراه
فذلك لأن طبيعة تكوينه تنافى طبيعة تكويننا ، واللّه سبحانه وتعالى قال {
إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم } الأعراف 27 ، فهم يروننا ،
ولكننا لا نراهم .
أما تسخير الجن لصالح بعض الناس ، فإن القرآن الكريم نص أيضا عليه فقال
اللّه سبحانه وتعالى { وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن
فزادوهم رهقا } وهنا نلاحظ أن الحق تبارك وتعالى سماهم رجالاً ، وقال :
إنهم زادوهم رهقاً ، فلقد ظن الناس أنهم يستعملونهم فيما يفيدهم فأتعبوهم ،
لإن الإنسان إذا أخذ خاصية جنس غير جنسه يظن أنه بذلك يزيد لنفسه فرصة
النفع بالحياة ، ولكن اللّه يقول : لا ، ولكن اترك نفسك فى قانونك ، ولا
تحاول أن تأخذ قانون الغير ، وإن كان أخف ، وإن كان أقدر ، لأنك إن اتخذته
فلن يزيدك إلا تعباً وإرهاقاً .
ولذلك نجد كثيراً ممن يشتغلون بهذا الأمر أحوالهم سيئة ، ولا يموتون بخير ،
ومصابين فى أولادهم ، وفى صحتهم ، وفى أحوالهم ، ولو كانوا يزيدون بالجن
فرصتهم فى الحياة لنفعوا أنفسهم .
ومن العجيب - كما قلت مراراً - أن هؤلاء الذين يشتغلون باستحضار الجن
والأرواح الخفية كما يطلقون ، يأخذون أرزاقهم ممن لا يستحضرها ، وممن لا
يعرف ذلك .
ولو كانوا حقاً يستطيعون الانتفاع بالجن لكانت كافية لهم ، وما احتاجوا إلى غيرهم .
وأما مسألة رؤية الجن ،فإن الإنسان لا يراه على هيئته ،وإنما على هيئة أخرى
،فإذا تصور الجنى بغير صورته الأصليه فقد حكمته الصورة التى تشكل بها ،
فلو تصور الجنى بصورة حمار أو كلب أو إنسان ، وكان معك مسدس ، فأطلقت عليه
الرصاص فإنه يموت فى الحال ، وهذا هو الضمان الذى صنعه اللّه تعالى للإنس
من الجن ، وإلا لكان الجن قد أفزعوا الدنيا كلها ، وجعلوا حياتنا نكدا ،
إنما هم يفهمون أن التشكل بالنسبة إليهم أمر مخيف ، لأن الصورة تحكمهم ،
ومن هنا يمكن قتل الجنى والقبض عليه .