التحذير من الفتن
" أعاذنا الله منها "
قد حذرنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من المفتونين وفتونهم ، قال الله تعالى (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة )]الأنفال/27[ .
وأرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الاستعاذة بالله من الفتن ، وشرها ، وسوئها ، ومضلاتها .
وكان من دعاء بعض السلف ( اللهم انا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو أن نُفْتَن ) "رواه البخاري" .
وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن بين يدي الساعة أياماً ينزل فيها الجهل ، ويرفع العلم .
والحديث العظيم ، حديث حذيفة – رضي الله عنه - في التحذير من الفتن ، معلوم مشهور .
وقد بيَّن الله – سبحانه - في كتابه أن الفتنة تحول دون أن يكون الدين كله لله – سبحانه – ولهذا قال – عز شأنه - وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله )[ الأنفال/39 ] .
فالفتنة تناقض الدين ، وهي فتنة الشبهات ، وأسوأُها فتنة الشرك بالله وفتنة العدول عن محكم الآيات وصريح السنة وصحيحها .
ولما كانت هذه الفتنة : ( فتنة المرجئة ) التي تُخْرِج العمل عن حقيقة الإيمان وتقول : ( لا كفر إلا كفر الجحود والتكذيب ) بدعة ظلما وضلالة عميا ، والتي حصل من آثارها : التهوين من خصال الإسلام وفرائضه - شأن أسلافهم من قبل - .
ومنها : التهوين من شأن الصلاة ، لاسيما في هذا الزمان الذي كثر فيه إضاعة الصلوات واتباع الشهوات وطاشت فيه موجة الملحدين الذي لا يعرفون ربهم طرفة عين .
ومنها : التهوين من تحكيم شريعة الله في عباده بل ومساندة من يتحاكم إلى الطاغوت وقد أمر الله بالكفر به .
قال ابن القيم – رحمه الله تعالى – في : إعلام الموقعين : " ومن أعظم الحدث تعطيل كتاب الله و سنة رسوله , و إحداث ما خالفهما " انتهى .
لما كانت هذه الفتنة الارجائية في مقابلة فتنة الخوارج الذين يقولون " بتكفير مرتكب الكبيرة " وهي آخية لها في الضلال، والابتداع، وسوء الآثار لا يجوز أن يدين الله بأي منهما مسلم قط كان لزاما على أهل العلم و الإيمان بيان بطلانهما ، وإظهار المذهب الحق الذي يجب على كل مسلم أن يدين الله به .
ونُحذِّر المسلمين من هاتين الفتنتين ، ومن هؤلاء المفتونين ، المتجاوزين لحدود رب العالمين(ولا تطيعوا أمر المسرفين *الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون )[ الشعراء/151-152] .
ونحذر المسلمين من هؤلاء المحرومين المخذولين الذين يختارون الأقوال الباطلة الصادة عن الصراط المستقيم ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين )[ لقمان /6 ] .
وإن من الضلال المبين ، والغش للمسلمين ، والتدليس على شبَبَتِهم جَلْبُ أقوال الفرق الضالة ، وكسائها بلِحَاء الشريعة ، ونسبتها إلى مذهب أهل السنة والجماعة نتيجة لردود الأفعال ، وجدل المخاصمات فلا يجوز بحال الميل لشيء من أهواء النواصب لمواجهة الروافض ولا لشيء من أهواء القدرية لمواجهة الجبرية ، ولا لشيء من أهواء المرجئة لمواجهة الخوارج ، أو العكس في ذلك كله ، وهكذا من رد الباطل بمثله ، والضلالة بأخرى وهذه جادة الأخسرين أعمالا ، وقد فضح الله المنافقين بها ، وهتك أستارهم فيها في مواضع من كتابه ، منها في صدر سورة البقرة ؛ إذ قالوا لتأييد إفسادهم : ( إنما نحن مصلحون ) فكذبهم الله بقوله ( ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون )[ البقرة/11 ] .
ولما صَدُّوا عما أنزل الله - تعالى - حكى الله عنهم اعتذارهم ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا)[ النساء/61 ]
فالواجب رد الباطل والأهواء المضلة بالكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة من الصحابة - رضي الله عنهم - فمن تبعهم بإحسان .
ولا نرى مثل هذا التوجه إلى نصرة مذهب المرجئة ، وإدخاله في مذهب أهل السنة والجماعة ، إلا من "السقوط في الفتنة" (ألا في الفتنة سقطوا )[ التوبة /49 ]
ومن أراد الله سعادته جعله يعتبر بما أصاب غيره فيسلك مسلك من أيده الله ونصره ، ويجتنب مسلك من خذله الله وأهانه … "مجموع الفتاوى35/388 "